responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 247
لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَإِنْ لُوحِظَ مَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنْ رفع التهارج وَقع الْخُصُومَاتِ، كَانَ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [الْبَقَرَة: 282] وَلِلشَّرِيعَةِ اهْتِمَامٌ بِتَوْثِيقِ الْحُقُوقِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَمُ لنظام الْمُعَامَلَات. وأياما كَانَ فقد جعل الله الْوَصِيُّ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الدَّفْعِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: لَوْلَا أَنَّهُ يَضْمَنُ إِذَا أَنْكَرَهُ الْمَحْجُورُ لَمْ يكن لِلْأَمْرِ بالتوثّق فَائِدَةٌ، وَنَقَلَ الْفَخْرُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ قَوْلِ مَالِكٍ، إِلَّا أَنَّ الْفَخْرَ احْتَجَّ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ احْتِجَاجٌ وَاهٍ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِكَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ فِي تَرَتُّبِ حُكْمِ الضَّمَانِ، إِذِ الضَّمَانُ مِنْ آثَارِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَسَبَبُهُ هُوَ انْتِفَاءُ الْإِشْهَادِ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ فَمِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَثَرُهُمَا الْعِقَابُ وَالثَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مُصَدَّقٌ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ عَدَّهُ أَمِينًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ رَأَى الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَحْمَلَ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ. وَجَاءَ بِقَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً تَذْيِيلًا لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، لِأَنَّهَا وَصِيَّاتٌ وَتَحْرِيضَاتٌ فَوَكَلَ
الْأَمْرَ فِيهَا إِلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْحَسِيبُ: الْمُحَاسِبُ. وَالْبَاءُ زَائِدَة للتوكيد.
[7]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 7]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَهُوَ جَارٍ مَجْرَى النَّتِيجَةِ لِحُكْمِ إِيتَاءِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَمَجْرَى الْمُقَدِّمَةِ لِأَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النِّسَاء: 11] .
وَمُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِ الْآيِ السَّابِقَةِ بِهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوا إِيثَارَ الْأَقْوِيَاءِ وَالْأَشِدَّاءِ بِالْأَمْوَالِ، وَحِرْمَانَ الضُّعَفَاءِ، وَإِبْقَاءَهُمْ عَالَةً عَلَى أَشِدَّائِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا فِي مَقَادَتِهِمْ، فَكَانَ الْأَوْلِيَاءُ يَمْنَعُونَ عَنْ مَحَاجِيرِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ أَكْبَرُ الْعَائِلَةِ يَحْرِمُ إِخْوَتَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ مَعَهُ فَكَانَ أُولَئِكَ لِضَعْفِهِمْ يَصْبِرُونَ عَلَى الْحِرْمَانِ، وَيَقْنَعُونَ بِالْعَيْشِ فِي ظِلَالِ أَقَارِبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِنْ نَازَعُوهُمْ أَطْرَدُوهُمْ وَحَرَمُوهُمْ، فَصَارُوا عَالَةً عَلَى النَّاسِ.
وَأَخَصُّ النَّاسِ بِذَلِكَ النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يَجِدْنَ ضَعْفًا مِنْ أَنْفُسِهِنَّ، وَيَخْشَيْنَ عَارَ الضَّيْعَةِ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 247
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست